إكتشاف بوزون هيغز
في الصورة يظهر بيتر هيغز يدخل قاعة المؤتمر قبيل التصريح بذلك الإكتشاف التاريخي الباهر
والد جسيم الرب كافر
إكتشاف بوزون هيغز يعتبر بلا شك أعظم إنجاز حققه العلم خلال العقود الأخيرة، وسوف يرفع بيتر هيغز، أبرز الباحثين فيه، إلى ذروة المجد كإنسان معاصر ويضمن له أرفع وسام تهبه البشرية لخلاصة عقولها: جائزة نوبل. بالإضافة إلى ماهو أهم وأسمى من كلاهما: تخليد إسمه بربطه مع كيان كوني يمنح الوجود نفسه وزنه وقوامه. فتصوروا حجم هذا الإنجاز.
ولكن بيتر هيغز، صاحب العقل الباهر الذي تمخض منه هذا الكيان العجيب، هو إنسان ملحد، أي بالتعريف الرباني: كـــافـــر، أي وفقاً للرؤية السماوية: أسوء أنواع البشر! وهذه مفارقة منطقية تطرح عدة تساؤلات:
لماذا صادف أن يكون محقق هذا الإنجاز الهائل إنسان كافر؟
لماذا لم يكن متدين، من أي طائفة كانت؟
بل، لماذا لم يكن فرضاً وتحديداً مسلم؟
أليس المسلمون، بالوصف الرباني الصريح، أفضل أمة أخرجت للناس؟ ألا تعكس هذه المرتبة الرفيعة إنجازات رفيعة أيضاً؟ فلماذا لم يكن بيتر هيغز الملحد الكافر محمد علي المسلم العابد؟
دعنا عن المسلمين وحدهم ولننظر إلى نسبة المتدينيين بشكل عام بشتى طوائفهم في العالم.
تبلغ نسبة المتدينيين في العالم حوالي 85%، مما يعني أن نسبة الملحدين لاتتعدى الـ 15 أو 16%. فبناءً على هذه النسب، نتوقع أن نرى نسبة العلماء، وبالخصوص المرموقين منهم، المتدينيين تعكس هذه النسبة. ولكن في الواقع أن العكس هو الصحيح، فنسبة الملحدين من العلماء البارزين تمثل الأغلبية الساحقة، إذ تبلغ أكثر من 90% من مجموع هؤلاء العلماء. لماذا؟
هناك عدة عوامل تؤدي إلى هذه الظاهرة، أركز على إثنين مترابطين منها:
الأول، هو بكل بساطة: توافر المعلومات، العلمية بالذات، والتي تناقض بشكل صارخ المزاعم الدينية. فالكون لم يخلق ببضعة أيام بل خلال ملايين السنين، والحياة لم تخلق بشكلها الحالي بل تطورت، والبشر لم ينحدروا من شخصين فقط ظهروا من بركة جينية، والشهب لاتلحق الجن بل هي تكتلات صخرية تائهة، والنمل لايتكلم، والبغال لاتطير، والجناح الريشي لاينفع لعبور الكون، حتى لو امتلك حامله 600 منه ... واللائحة طويلة ومضحكة، يستطيع دحضها اليوم أي تلميذ/تلميذة مدرسة متوسطة. وهؤلاء العلماء لاتتوافر لهم تلك المعلومات بشكل مكثف من الخارج فحسب، بل هم الذين يخلقونها من ضمن حلقاتهم التخصصية ليوفرونها للباقي. فهم إذاً بحكم مهنهم يعيشون في خضم تلك السيول المعرفية.
والثاني، والأهم والأعمق، هو نمط التفكير العلمي، فهو نظام فكري منهجي يُعرض متبنيه للكفر، لأن قوام المنهج العلمي في التفكير ذاته وليس أسلوب البحث فحسب هو النقد والتشكيك. فحين يصيغ العالم التجريبي نظرية ما، سوف يكون هدفه الرئيسي بالطبع التأكد من صحتها. إنما أشد الأساليب فعالية لتحقيق هذا الهدف هو محاولة هدمها، لكي يرى الباحث فيما إذا كانت تصمد أمام معاول الهجوم عليها أم تتداعى وتنهار. ولايكفي لهذا الهدف إعادة التجارب عليها بنفسه، بل يحتم عليه البروتوكول العلمي نشر البحث لتعريضه لنقد باقي العلماء له أيضاً. فالمنهج العلمي إذاً لايقتصر تشجيعه على انتقاد أفكار الغير، بل على انتقاد أفكار الذات أيضاً.
بعكس الفكر الديني تماماً. فالدين يقدم مفاهيم وأفكار ومزاعم، يجبر الآخرين على قبولها، ويثبطهم عن التشكيك فيها أو حتى عن التساؤل عنها، ويدعم دوغمائياته بفرض الطاعة والإنصياع لها ويسندها بالتهديد والوعيد لمن يحيد عنها.
فهناك تعارض واضح إذاً بين نظام التفكير العلمي المنهجي المفتوح والشفاف ونظام التفكير الديني المنغلق والمبهم. ومن يروض عقله على انتهاج الأسلوب التشكيكي النقدي الهادف للفهم والتوضيح، والمطلوب كأحد الشروط الأساسية لتحقيق أي إنجاز بحثي في المجال العلمي، سوف ينظر إلى الحياة بشكل عام بنفس تلك النظرة النقدية الشاكة التي تسعى إلى الفهم والإستيعاب، ولن تفلت من نظرته أي مزاعم، أرضية كانت أو سماوية.
هذه الرؤية المنهجية المتمحصة التي يتبناها العالم، سوف يتعرض لها النص الديني بشكل تلقائي، وهذا مايحاول الدين تفاديه بفرض الطاعة والتهديد. لأن هذا الأسلوب سوف يكشف هشاشة مفاهيمه وركاكة أفكاره وزيف مزاعمه، ويكفي لأي متمرس على إنتهاج الأسلوب العلمي النقدي في رؤيته، أن يفتح أي كتاب مقدس عشوائياً على أي صفحة ليرى فوراً بشريتها التي تعج بالتناقضات والأخطاء.
فلكي يثبت المؤمن صحة نصوصه وربوبيتها، عليه أن يأتي بالدليل الخاضع للمنهج العلمي، لفحصه والتأكد منه، على نفس صعيد التحقق من صحة البوزون المختفي إلى ماقبل يوم أمس، وهذا مايطلبه العالم التجريبي، وهذا بالضبط ماتخفق فيه جميع الأديان، منذ ظهورها وإلى اليوم.
والإحتجاج بالبعير وبعرته، ربما يقنع راعي الإبل البسيط في الصحراء، إنما لن يقنع الباحث التجريبي في المختبر. وهذا هوالسبب الرئيسي الذي يدفع العلماء، كـ بيتر هيغز والكثير غيره منهم، إلى الإلحاد.
منقول
إكتشاف بوزون هيغز يعتبر بلا شك أعظم إنجاز حققه العلم خلال العقود الأخيرة، وسوف يرفع بيتر هيغز، أبرز الباحثين فيه، إلى ذروة المجد كإنسان معاصر ويضمن له أرفع وسام تهبه البشرية لخلاصة عقولها: جائزة نوبل. بالإضافة إلى ماهو أهم وأسمى من كلاهما: تخليد إسمه بربطه مع كيان كوني يمنح الوجود نفسه وزنه وقوامه. فتصوروا حجم هذا الإنجاز.
ولكن بيتر هيغز، صاحب العقل الباهر الذي تمخض منه هذا الكيان العجيب، هو إنسان ملحد، أي بالتعريف الرباني: كـــافـــر، أي وفقاً للرؤية السماوية: أسوء أنواع البشر! وهذه مفارقة منطقية تطرح عدة تساؤلات:
لماذا صادف أن يكون محقق هذا الإنجاز الهائل إنسان كافر؟
لماذا لم يكن متدين، من أي طائفة كانت؟
بل، لماذا لم يكن فرضاً وتحديداً مسلم؟
أليس المسلمون، بالوصف الرباني الصريح، أفضل أمة أخرجت للناس؟ ألا تعكس هذه المرتبة الرفيعة إنجازات رفيعة أيضاً؟ فلماذا لم يكن بيتر هيغز الملحد الكافر محمد علي المسلم العابد؟
دعنا عن المسلمين وحدهم ولننظر إلى نسبة المتدينيين بشكل عام بشتى طوائفهم في العالم.
تبلغ نسبة المتدينيين في العالم حوالي 85%، مما يعني أن نسبة الملحدين لاتتعدى الـ 15 أو 16%. فبناءً على هذه النسب، نتوقع أن نرى نسبة العلماء، وبالخصوص المرموقين منهم، المتدينيين تعكس هذه النسبة. ولكن في الواقع أن العكس هو الصحيح، فنسبة الملحدين من العلماء البارزين تمثل الأغلبية الساحقة، إذ تبلغ أكثر من 90% من مجموع هؤلاء العلماء. لماذا؟
هناك عدة عوامل تؤدي إلى هذه الظاهرة، أركز على إثنين مترابطين منها:
الأول، هو بكل بساطة: توافر المعلومات، العلمية بالذات، والتي تناقض بشكل صارخ المزاعم الدينية. فالكون لم يخلق ببضعة أيام بل خلال ملايين السنين، والحياة لم تخلق بشكلها الحالي بل تطورت، والبشر لم ينحدروا من شخصين فقط ظهروا من بركة جينية، والشهب لاتلحق الجن بل هي تكتلات صخرية تائهة، والنمل لايتكلم، والبغال لاتطير، والجناح الريشي لاينفع لعبور الكون، حتى لو امتلك حامله 600 منه ... واللائحة طويلة ومضحكة، يستطيع دحضها اليوم أي تلميذ/تلميذة مدرسة متوسطة. وهؤلاء العلماء لاتتوافر لهم تلك المعلومات بشكل مكثف من الخارج فحسب، بل هم الذين يخلقونها من ضمن حلقاتهم التخصصية ليوفرونها للباقي. فهم إذاً بحكم مهنهم يعيشون في خضم تلك السيول المعرفية.
والثاني، والأهم والأعمق، هو نمط التفكير العلمي، فهو نظام فكري منهجي يُعرض متبنيه للكفر، لأن قوام المنهج العلمي في التفكير ذاته وليس أسلوب البحث فحسب هو النقد والتشكيك. فحين يصيغ العالم التجريبي نظرية ما، سوف يكون هدفه الرئيسي بالطبع التأكد من صحتها. إنما أشد الأساليب فعالية لتحقيق هذا الهدف هو محاولة هدمها، لكي يرى الباحث فيما إذا كانت تصمد أمام معاول الهجوم عليها أم تتداعى وتنهار. ولايكفي لهذا الهدف إعادة التجارب عليها بنفسه، بل يحتم عليه البروتوكول العلمي نشر البحث لتعريضه لنقد باقي العلماء له أيضاً. فالمنهج العلمي إذاً لايقتصر تشجيعه على انتقاد أفكار الغير، بل على انتقاد أفكار الذات أيضاً.
بعكس الفكر الديني تماماً. فالدين يقدم مفاهيم وأفكار ومزاعم، يجبر الآخرين على قبولها، ويثبطهم عن التشكيك فيها أو حتى عن التساؤل عنها، ويدعم دوغمائياته بفرض الطاعة والإنصياع لها ويسندها بالتهديد والوعيد لمن يحيد عنها.
فهناك تعارض واضح إذاً بين نظام التفكير العلمي المنهجي المفتوح والشفاف ونظام التفكير الديني المنغلق والمبهم. ومن يروض عقله على انتهاج الأسلوب التشكيكي النقدي الهادف للفهم والتوضيح، والمطلوب كأحد الشروط الأساسية لتحقيق أي إنجاز بحثي في المجال العلمي، سوف ينظر إلى الحياة بشكل عام بنفس تلك النظرة النقدية الشاكة التي تسعى إلى الفهم والإستيعاب، ولن تفلت من نظرته أي مزاعم، أرضية كانت أو سماوية.
هذه الرؤية المنهجية المتمحصة التي يتبناها العالم، سوف يتعرض لها النص الديني بشكل تلقائي، وهذا مايحاول الدين تفاديه بفرض الطاعة والتهديد. لأن هذا الأسلوب سوف يكشف هشاشة مفاهيمه وركاكة أفكاره وزيف مزاعمه، ويكفي لأي متمرس على إنتهاج الأسلوب العلمي النقدي في رؤيته، أن يفتح أي كتاب مقدس عشوائياً على أي صفحة ليرى فوراً بشريتها التي تعج بالتناقضات والأخطاء.
فلكي يثبت المؤمن صحة نصوصه وربوبيتها، عليه أن يأتي بالدليل الخاضع للمنهج العلمي، لفحصه والتأكد منه، على نفس صعيد التحقق من صحة البوزون المختفي إلى ماقبل يوم أمس، وهذا مايطلبه العالم التجريبي، وهذا بالضبط ماتخفق فيه جميع الأديان، منذ ظهورها وإلى اليوم.
والإحتجاج بالبعير وبعرته، ربما يقنع راعي الإبل البسيط في الصحراء، إنما لن يقنع الباحث التجريبي في المختبر. وهذا هوالسبب الرئيسي الذي يدفع العلماء، كـ بيتر هيغز والكثير غيره منهم، إلى الإلحاد.
منقول
Subscribe to:
Post Comments
(
Atom
)
No comments :
Post a Comment