قراءة بواقعة الطف ومقتل الحسين 2 / التبعات: تقاليد وطقوس بين التسييس والمفاهيم الدينية
*أوراق من كتاب لكاتبه.
مستفيدون: تجارة ومال وجاه وغسيل أدمغة
"كفّوا عن الاتجار بالدين" : السعودي نذير الماجد – مقال
ان رجال الدين يتمظهرون بكل انماط القداسة لخلع المهابة على سلوكياتهم وتصرفاتهم التي تنبع من جشع خليق بتاجر وجائع مكبوت جنسيا متأجج الرغبة والشهوة وسفاح يُهدر الدم بكل بساطة وربما لأجل كلمة حتى بما يسموه (فتوى إهدار الدم) وهم بهذه التمظهرات المزيفة خلقوا حاجز رفيع وسيمك يمنع ممارسة النقد تجاههم، والا فلماذا يتحسسون من اي نقد او مطالبة من العوام البسطاء؟ كل الفئات والشرائح في المجتمع تستوعب النقد بروح رياضية ويمكن تكذيبها او دحض ما تأتي وتصرح بها هذه الشريحة المقدسة زيفا فلا يمكن رفع صوت يعترض على ما يتفوهون به ويغسلون من خلاله أدمغة الناس بمختلف انواع الخرافات والدجل والحث على الارهاب والكراهية والاستغلال والعنف وغيرها ، ولا يمكن ايضا رفع البصر عليهم لمراقبتهم فهم لا رقيب لهم ولا رادع يجندون ويهدرون ويخمّسون ويبنون ويهدمون ويغلقون ويحرمون ويحللون كما يحلو لهم بما ينفعهم طبعا!
ان قداستهم هذه ليست الا وهما، فهم بشرٌ مثلنا يخطئون –حسب مقاييسهم- وينامون وبعضهم يشخر في نومه حتى الظهيرة مطمئنين على مستقبلهم لا سؤال ولا هم يحزنون. هنا اتذكر علي شريعتي المفكر الايراني الذي لم يدخر جهدا في محاربة هذا الوباء المستشري في المجتمعات الشيعية، حيث يصفهم (بالمستحمرين ) الذي يزيّفون الواقع ويهمسون في آذان المساكين بان عليهم بالصبر والزهد والقناعة ثم يفتشون في جيوبهم لعل فيها شيئا من المال للصدقة او لاعمار مسجد او بناء جديد، او حتى شراء وتسليح جيش ما!
لا يخفى ان اهم مواردهم هو الاشتغال بالوعظ والقراءات الحسينية اذ تمثل موردا ماليا ضخما... فالقراءة في محرم أعلى أجرا بطبيعة الحال من القراءة في غيره من الشهور، ويمكن ان يخضع الامر لسوق مزاد على خطيب واحد يمتلك صوتا جهوريا وطلة بهية وعمامة متلفة باتقان ولحية كثة وشاربا منتوفا وظهرا محدودبا الى حدِ ما، يذرف الدمع ويتباكى اسهل ما يكون.. هذا الخطيب بهذه المواصفات سيكلف مبلغا بلا شك وقدره.... تخيّلوا!!
عند قراءته في موسم محرم وحده وفي مجلس واحد وان كان الخطيب رجلا متمكنا وشابا فان بامكانه ان يقرأ في الليلة ثلاثة او اربعة مجالس وبهذا سيتضاعف ربحه اربع وثلاث مرات .....!
الأصول التاريخية: نبذة
لقد تضاربت الآراء فيما يخص المراسيم العاشورية واحياءها على مختلف فعاليتها بين مُحرِّم وواجب وبين خطيئة ومثوبة باختلاف المذاهب وفتاواي رجال الدين. أما اصول هذه العادات والممارسات وكما ذكرت بالجزء الاول من المقال كانت دخيلة على الشيعة الاسلام من ديانات وثقافات اخرى سبقتهم اليها بفترات طويلة.
"ان مراسيم اللطم والزنجيل والتطبير وحمل الاقفال ما زالت تمارس سنويا في ذكرى (استشهاد) المسيح في منطقة Lourder)) . " علي شريعتي/ التشيع العلوي والتشيع الصفوي، ت ابراهيم دسوقي، دار الامير 1422 هـ .
والجدير بالذكر ان قناة الجزيرة القطرية عرضت بتاريخ 29 اذار 1997 فيلما عن احتفالات عيد الفصح في الفلبين يظهر فيه مجموعة من الرجال يحملون حبالا غليظة مكورة النهايات يضربون بها ظهورهم بشدة والدماء تسيل. الى ذلك، اعتبر الدكتور ابراهيم الحيدري ان هناك علاقة مثيولوجية " بين احتفالات بل-مردخ (تموز) في بابل من جهة، والاحتفالات بيوم عاشوراء من جهة اخرى، من الممكن تشكيل امكانية للتشابه فكريا ووجدانيا كتعبير عن انتصار الخير على قوة الشر، وان نواح عشتار علي حبيبها مردخ (تموز) سنة بعد اخرى انما يمثل طاقة خلق وتجديد لمبدأ الارض –الخصوبة- الحياة، مثل الاحتفالات بذكرى عاشوراء الذي يمثل تجديدا او احياء لمباديء الحسين في الرفض والشهادة" / تراجيديا كربلاء.
وقد قال ايردمنس ان احد "رموز الاحتفالات هو (كف العباس) التي ترفع في مواكب العزاء والتي تدل على تشابه واضح مع طقوس بابلية وكريتية وكذلك يهودية قديمة، حيث ترمز الكف الى الخصوبة مثلما ترمز الى الوعي بعودة تموز ثانية بالرغم من موته في ربيع العام القادم والتقاءه بحبيبته عشتار الهة الخصوبة." / تراجيديا كربلاء.
كما ولفت المؤرخ حسين الامين الى ظاهرة المشي على النار كمظهر جديد من مظاهر الاحياء مشيرا الى ان مصدر هذه الظاهرة هندوسي.
كان جلد الذات في القرن الحادي عشر ممارسة فردية يقوم بها بعض الرهبان في الكنيسة الكاثوليكية، على سبيل المثال فقد كان الراهب دومنيكوس لوريكاتوس يقرأ المزامير كاملة على مدى اسبوع ويصاحب كل مزمور مائة ضربة بالسوط على ظهره. ثم انتشر الطقس بين (المقلدين) وخرج الى الشوارع، وكان المشاركون ينشدون بعض النصوص الدينية ثم حين يصلون الى مقطع معين يصف معاناة المسيح كانوا يسقطون على الارض ويبقون بذلك الوضع لاثبات مشاركتهم المعاناة.
اول حادثة ظهور اللطامين الى الشوارع باعداد كبيرة كان في مدينة بيروجيا عام 1259 م وانتشرت من هناك الى شمال ايطاليا ثم الى النمسا. وتكرر الطقس اثناء انتشار الموت الاسود (الطاعون) في 1349 و1399 وكأن الناس كانوا يحاولون استجلاب عطف ورضا السماء وانقاذهم من الموت والمرض بمزيد من ايقاع المعاناة بانفسهم ولعلنا نذكر هنا مسيرات على ما يسمى بطريق (مار يعقوب). حيث ان الفكرة الدينية هي ان المخلص يسوع ضحى في سبيل انقاذ البشر. ويقال انه في مدينة بيروجيا التي سجلت اول ظهور جماعي للطقس بعد اندلاع احد الامراض المميته، خرج الاف الناس الى الشوارع بمواكب كبيرة ينشدون حاملين الصلبان والرايات وهم يجلدون انفسهم. وكان كل من لم يشترك بالموكب يتهم بانه حلف للشيطان حيث قتلوا اليهود وبعض القسس الذين عارضوهم. وقد انتشر الممارسون لهذا الطقس في عدة مدن في ايطاليا والنمسا والمانيا وبدأوا يبشرون بان جلد الذات سوف يطهرهم من الذنوب. وكان المطبرون يخرجون الى المدن والضواحي ويقضون 33 يوما (ترمز لحياة المسيح على الارض) في هذه الممارسة، وكان الطقس يبدأ بقراءة رسالة تزعم انها وصلتهم من ملاك يوضح فيها اهمية التطبير. ثم يسقط المقلدون على ركبهم ويجلدون انفسهم بالسياط على وقع (القراية) حتى يتدفق الدم من ظهورهم وصدورهم. ويعتبرون هذا الدم مباكرا فيتبركون به.
هامش: المازوخية او المازوكية لفظة مأخوذة من الشاعر الالماني مازوخ وتعني التلذذ بتعذيب الذات او التعذلب يقابلها مصطلح السادية او السادي نسبة لاسم المركيز الفرنسي دي ساد وتعني التلذذ بتعذيب الاخرين. / د. الفواز.
"... ربما تعود الجذور التاريخية للتطبير الى المصريين وعبادة ديونسيس في اليونان. ولدى اليونان كانت النساء تضرب بالسوط كطقس من طقوس الخصوبة". عشتار العراقية/ الاصول التاريخية للتطبير/ كتابات 23 تشرين الثاني 2008.
في المانيا ادعى المطبرون ان الامبراطور فردريك الثاني قد بعث حيا وان سوف يجلب العدل للناس. وادعى شخص اسمه كونراد شمت انه فردريك الثاني المنتظر وعمد نفسه بدماء اتباعه ولكن المحاكم حكمت عليه بالموت حرقا.
حركة اخرى نشات في ايطاليا عام 1399 اسمها التوابون البيض الذي كانوا يلبسون ملابس بيضاء كناية عن الاكفان! وفي قمة ازدهارهم سار موكب من 15 الف في مدينة مودينا في ايطاليا وساروا الى روما ولكن الحركة انتهت بسرعة حين امر البابا بونيفيس التاسع بحرق قائدهم. كما وتصدت المحاكم لاي احياء للحركة في القرن الخامس عشر ففي عام 1414 احرق في المانيا في يوم واحد 100 من اتباع فردريك المنتظر. وفي ثورجين بالمانيا احرق في يوم واحد 300 من الاتباع في عام 1416.
ما زالت آثار هذه الطقوس موجودة بين بعض مسيحيي الفلبين، وكذلك ما زال هناك مواكب تقام كل 7 سنوات في مدينة غارديا في كامبانيا بايطاليا حيث يحمل المشاركون تشابيه (العذراء والمسيح) ويسيرون الى الكنسية وهم يقومون بايماء الجلد باشياء خفيفة. وهناك مثل هذه المواكب (التي اصبحت سياسية اكثر منها دينية) في اسبانيا والبرتغال.
ان الفكرة الدينية من جلد الذات عند اولئك الكاثوليك كانت التكفير عن الذنوب في الدنيا حتى يذهب الانسان الى العالم الآخر وهو قد تطهر من ذنوبه. ويصل الجلد الى حالة من النشوة والارتياح والشعور بالقوة والاحتمال. وسبب هذا في الواقع هو اطلاق الغدة النخامية في جسم الانسان (عند التعرض لمجهود او الم) لمادة مسكنة مثل المورفين هي (endorphins) وقد تزداد فاعليتها باستخدام مخدرات اضافية.. وميكانزم هذه المادة هي هي انه حين يصل نبض عصب ما الى الحبل الشوكي، ينطلق الاندروفين لمنع خلايا الاعصاب من اطلاق المزيد من اشارات الألم. وهو نفس ما يحدث حين تتلقى مثلا في معمعة المعركة رصاصة في جسمك ولكنك تظل تحس بالقوة والسيطرة على نفسك لاكمال ما تقوم به./ ويكبيديا.
أما الفكرة الدينية عند المطبرين من جماعتنا هي جلد الذات للتكفير عن ذنب اجدادهم القدامى الذين لم ينصروا الحسين واهل بيته في كربلاء وايضا ربما هي للتقرب والتماهي معه في آلامه ولطلب الغفران والجنة.
".. ان شيعة العراق لم يعرفوا هذه العادة الا بعد ان دخل الشعب الايراني المذهب الشيعي قسرا من قبل الشاة اسماعيل الصفوي في القرن السادس عشر الميلادي. وجذور اللطم عند الشيعة كما اتبّعها عالم الاجتماع الايراني علي شريعتي انها قد جاءت من طائفة مسيحية في اوربا ودخلت العراق في اواخر الحكم العثماني التركي من قبل الايرانيين اثناء قيامهم بزيارة مراقد أئمتهم الشيعة.
مستفيدون: تجارة ومال وجاه وغسيل أدمغة
"كفّوا عن الاتجار بالدين" : السعودي نذير الماجد – مقال
ان رجال الدين يتمظهرون بكل انماط القداسة لخلع المهابة على سلوكياتهم وتصرفاتهم التي تنبع من جشع خليق بتاجر وجائع مكبوت جنسيا متأجج الرغبة والشهوة وسفاح يُهدر الدم بكل بساطة وربما لأجل كلمة حتى بما يسموه (فتوى إهدار الدم) وهم بهذه التمظهرات المزيفة خلقوا حاجز رفيع وسيمك يمنع ممارسة النقد تجاههم، والا فلماذا يتحسسون من اي نقد او مطالبة من العوام البسطاء؟ كل الفئات والشرائح في المجتمع تستوعب النقد بروح رياضية ويمكن تكذيبها او دحض ما تأتي وتصرح بها هذه الشريحة المقدسة زيفا فلا يمكن رفع صوت يعترض على ما يتفوهون به ويغسلون من خلاله أدمغة الناس بمختلف انواع الخرافات والدجل والحث على الارهاب والكراهية والاستغلال والعنف وغيرها ، ولا يمكن ايضا رفع البصر عليهم لمراقبتهم فهم لا رقيب لهم ولا رادع يجندون ويهدرون ويخمّسون ويبنون ويهدمون ويغلقون ويحرمون ويحللون كما يحلو لهم بما ينفعهم طبعا!
ان قداستهم هذه ليست الا وهما، فهم بشرٌ مثلنا يخطئون –حسب مقاييسهم- وينامون وبعضهم يشخر في نومه حتى الظهيرة مطمئنين على مستقبلهم لا سؤال ولا هم يحزنون. هنا اتذكر علي شريعتي المفكر الايراني الذي لم يدخر جهدا في محاربة هذا الوباء المستشري في المجتمعات الشيعية، حيث يصفهم (بالمستحمرين ) الذي يزيّفون الواقع ويهمسون في آذان المساكين بان عليهم بالصبر والزهد والقناعة ثم يفتشون في جيوبهم لعل فيها شيئا من المال للصدقة او لاعمار مسجد او بناء جديد، او حتى شراء وتسليح جيش ما!
لا يخفى ان اهم مواردهم هو الاشتغال بالوعظ والقراءات الحسينية اذ تمثل موردا ماليا ضخما... فالقراءة في محرم أعلى أجرا بطبيعة الحال من القراءة في غيره من الشهور، ويمكن ان يخضع الامر لسوق مزاد على خطيب واحد يمتلك صوتا جهوريا وطلة بهية وعمامة متلفة باتقان ولحية كثة وشاربا منتوفا وظهرا محدودبا الى حدِ ما، يذرف الدمع ويتباكى اسهل ما يكون.. هذا الخطيب بهذه المواصفات سيكلف مبلغا بلا شك وقدره.... تخيّلوا!!
عند قراءته في موسم محرم وحده وفي مجلس واحد وان كان الخطيب رجلا متمكنا وشابا فان بامكانه ان يقرأ في الليلة ثلاثة او اربعة مجالس وبهذا سيتضاعف ربحه اربع وثلاث مرات .....!
الأصول التاريخية: نبذة
لقد تضاربت الآراء فيما يخص المراسيم العاشورية واحياءها على مختلف فعاليتها بين مُحرِّم وواجب وبين خطيئة ومثوبة باختلاف المذاهب وفتاواي رجال الدين. أما اصول هذه العادات والممارسات وكما ذكرت بالجزء الاول من المقال كانت دخيلة على الشيعة الاسلام من ديانات وثقافات اخرى سبقتهم اليها بفترات طويلة.
"ان مراسيم اللطم والزنجيل والتطبير وحمل الاقفال ما زالت تمارس سنويا في ذكرى (استشهاد) المسيح في منطقة Lourder)) . " علي شريعتي/ التشيع العلوي والتشيع الصفوي، ت ابراهيم دسوقي، دار الامير 1422 هـ .
والجدير بالذكر ان قناة الجزيرة القطرية عرضت بتاريخ 29 اذار 1997 فيلما عن احتفالات عيد الفصح في الفلبين يظهر فيه مجموعة من الرجال يحملون حبالا غليظة مكورة النهايات يضربون بها ظهورهم بشدة والدماء تسيل. الى ذلك، اعتبر الدكتور ابراهيم الحيدري ان هناك علاقة مثيولوجية " بين احتفالات بل-مردخ (تموز) في بابل من جهة، والاحتفالات بيوم عاشوراء من جهة اخرى، من الممكن تشكيل امكانية للتشابه فكريا ووجدانيا كتعبير عن انتصار الخير على قوة الشر، وان نواح عشتار علي حبيبها مردخ (تموز) سنة بعد اخرى انما يمثل طاقة خلق وتجديد لمبدأ الارض –الخصوبة- الحياة، مثل الاحتفالات بذكرى عاشوراء الذي يمثل تجديدا او احياء لمباديء الحسين في الرفض والشهادة" / تراجيديا كربلاء.
وقد قال ايردمنس ان احد "رموز الاحتفالات هو (كف العباس) التي ترفع في مواكب العزاء والتي تدل على تشابه واضح مع طقوس بابلية وكريتية وكذلك يهودية قديمة، حيث ترمز الكف الى الخصوبة مثلما ترمز الى الوعي بعودة تموز ثانية بالرغم من موته في ربيع العام القادم والتقاءه بحبيبته عشتار الهة الخصوبة." / تراجيديا كربلاء.
كما ولفت المؤرخ حسين الامين الى ظاهرة المشي على النار كمظهر جديد من مظاهر الاحياء مشيرا الى ان مصدر هذه الظاهرة هندوسي.
كان جلد الذات في القرن الحادي عشر ممارسة فردية يقوم بها بعض الرهبان في الكنيسة الكاثوليكية، على سبيل المثال فقد كان الراهب دومنيكوس لوريكاتوس يقرأ المزامير كاملة على مدى اسبوع ويصاحب كل مزمور مائة ضربة بالسوط على ظهره. ثم انتشر الطقس بين (المقلدين) وخرج الى الشوارع، وكان المشاركون ينشدون بعض النصوص الدينية ثم حين يصلون الى مقطع معين يصف معاناة المسيح كانوا يسقطون على الارض ويبقون بذلك الوضع لاثبات مشاركتهم المعاناة.
اول حادثة ظهور اللطامين الى الشوارع باعداد كبيرة كان في مدينة بيروجيا عام 1259 م وانتشرت من هناك الى شمال ايطاليا ثم الى النمسا. وتكرر الطقس اثناء انتشار الموت الاسود (الطاعون) في 1349 و1399 وكأن الناس كانوا يحاولون استجلاب عطف ورضا السماء وانقاذهم من الموت والمرض بمزيد من ايقاع المعاناة بانفسهم ولعلنا نذكر هنا مسيرات على ما يسمى بطريق (مار يعقوب). حيث ان الفكرة الدينية هي ان المخلص يسوع ضحى في سبيل انقاذ البشر. ويقال انه في مدينة بيروجيا التي سجلت اول ظهور جماعي للطقس بعد اندلاع احد الامراض المميته، خرج الاف الناس الى الشوارع بمواكب كبيرة ينشدون حاملين الصلبان والرايات وهم يجلدون انفسهم. وكان كل من لم يشترك بالموكب يتهم بانه حلف للشيطان حيث قتلوا اليهود وبعض القسس الذين عارضوهم. وقد انتشر الممارسون لهذا الطقس في عدة مدن في ايطاليا والنمسا والمانيا وبدأوا يبشرون بان جلد الذات سوف يطهرهم من الذنوب. وكان المطبرون يخرجون الى المدن والضواحي ويقضون 33 يوما (ترمز لحياة المسيح على الارض) في هذه الممارسة، وكان الطقس يبدأ بقراءة رسالة تزعم انها وصلتهم من ملاك يوضح فيها اهمية التطبير. ثم يسقط المقلدون على ركبهم ويجلدون انفسهم بالسياط على وقع (القراية) حتى يتدفق الدم من ظهورهم وصدورهم. ويعتبرون هذا الدم مباكرا فيتبركون به.
هامش: المازوخية او المازوكية لفظة مأخوذة من الشاعر الالماني مازوخ وتعني التلذذ بتعذيب الذات او التعذلب يقابلها مصطلح السادية او السادي نسبة لاسم المركيز الفرنسي دي ساد وتعني التلذذ بتعذيب الاخرين. / د. الفواز.
"... ربما تعود الجذور التاريخية للتطبير الى المصريين وعبادة ديونسيس في اليونان. ولدى اليونان كانت النساء تضرب بالسوط كطقس من طقوس الخصوبة". عشتار العراقية/ الاصول التاريخية للتطبير/ كتابات 23 تشرين الثاني 2008.
في المانيا ادعى المطبرون ان الامبراطور فردريك الثاني قد بعث حيا وان سوف يجلب العدل للناس. وادعى شخص اسمه كونراد شمت انه فردريك الثاني المنتظر وعمد نفسه بدماء اتباعه ولكن المحاكم حكمت عليه بالموت حرقا.
حركة اخرى نشات في ايطاليا عام 1399 اسمها التوابون البيض الذي كانوا يلبسون ملابس بيضاء كناية عن الاكفان! وفي قمة ازدهارهم سار موكب من 15 الف في مدينة مودينا في ايطاليا وساروا الى روما ولكن الحركة انتهت بسرعة حين امر البابا بونيفيس التاسع بحرق قائدهم. كما وتصدت المحاكم لاي احياء للحركة في القرن الخامس عشر ففي عام 1414 احرق في المانيا في يوم واحد 100 من اتباع فردريك المنتظر. وفي ثورجين بالمانيا احرق في يوم واحد 300 من الاتباع في عام 1416.
ما زالت آثار هذه الطقوس موجودة بين بعض مسيحيي الفلبين، وكذلك ما زال هناك مواكب تقام كل 7 سنوات في مدينة غارديا في كامبانيا بايطاليا حيث يحمل المشاركون تشابيه (العذراء والمسيح) ويسيرون الى الكنسية وهم يقومون بايماء الجلد باشياء خفيفة. وهناك مثل هذه المواكب (التي اصبحت سياسية اكثر منها دينية) في اسبانيا والبرتغال.
ان الفكرة الدينية من جلد الذات عند اولئك الكاثوليك كانت التكفير عن الذنوب في الدنيا حتى يذهب الانسان الى العالم الآخر وهو قد تطهر من ذنوبه. ويصل الجلد الى حالة من النشوة والارتياح والشعور بالقوة والاحتمال. وسبب هذا في الواقع هو اطلاق الغدة النخامية في جسم الانسان (عند التعرض لمجهود او الم) لمادة مسكنة مثل المورفين هي (endorphins) وقد تزداد فاعليتها باستخدام مخدرات اضافية.. وميكانزم هذه المادة هي هي انه حين يصل نبض عصب ما الى الحبل الشوكي، ينطلق الاندروفين لمنع خلايا الاعصاب من اطلاق المزيد من اشارات الألم. وهو نفس ما يحدث حين تتلقى مثلا في معمعة المعركة رصاصة في جسمك ولكنك تظل تحس بالقوة والسيطرة على نفسك لاكمال ما تقوم به./ ويكبيديا.
أما الفكرة الدينية عند المطبرين من جماعتنا هي جلد الذات للتكفير عن ذنب اجدادهم القدامى الذين لم ينصروا الحسين واهل بيته في كربلاء وايضا ربما هي للتقرب والتماهي معه في آلامه ولطلب الغفران والجنة.
".. ان شيعة العراق لم يعرفوا هذه العادة الا بعد ان دخل الشعب الايراني المذهب الشيعي قسرا من قبل الشاة اسماعيل الصفوي في القرن السادس عشر الميلادي. وجذور اللطم عند الشيعة كما اتبّعها عالم الاجتماع الايراني علي شريعتي انها قد جاءت من طائفة مسيحية في اوربا ودخلت العراق في اواخر الحكم العثماني التركي من قبل الايرانيين اثناء قيامهم بزيارة مراقد أئمتهم الشيعة.
Subscribe to:
Post Comments
(
Atom
)
No comments :
Post a Comment